فصل: فائدة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فصل في بيان أحوال ساعة نزول الموت:

اعلم وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين وثبتنا وإياك وإياهم على قوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة أن علَى من نزل به الموت أن يعلم أنها ساعة تحتاج إلى معاناة صعبة جدًا لأن صورتها ألم محض وفراق لجميع المحبوبات.
ثم ينضم إلى ذلك هول سكرات الموت وشدائده والخوف من المآل، ويأتي الشيطان يحاول أن يسخط العبد على ربه، ويقول له: انظر في أي شيء ألقاك، وما الذي قضى عليك وكيف يؤلمك.
وها أنت تفارق ولدك، وزوجتك، وأهلك، وتلقى بين أطباق الثرى، وربما أسخطه على ربه، فكره قضاء الله تعالى ولقاءه، وربما حسن إليه الجور في الوصية، وربما حابا بعض الورثة وخصه بشيء دونهم، أو يعوقه إصلاح شأنه، والخروج من مظلمة تكون فبله، أو يؤيسه من رحمة الله، أو يحول بينه وبين التوبة.
أخرج أبو داود من حديث أبي اليسر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «أعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت».
وفى تلك الساعة يقول الشيطان لأعوانه: إن فاتكم الآن لم تقدروا عليه أبدًا.
وقال رحمه الله: وأما العلاج لتلك الشدائد فينبغي أن نذكر قبله مقدمة، وهو أن من حفظ الله في صحته حفظه الله في مرضه ومن راقب الله في خطراته حرسه الله عند حركات جوارحه.
ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة». أخرجه الترمذي وأحمد والبيهقي.
ثم إنك قد سمعت قصة يونس عليه السلام لما وفقه الله لأعمال صالحة متقدمة أنقذه الله بسببها، قال الله جل وعلا وتقدس: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}.
ولما لم يكن لفرعون عمل خير لم يجد وقت الشدة متعلقًا، فقيل له: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} وكان عبد الصمد الزاهد يقول عند الموت: سيدي لهذه الساعة خبأتك.
فأما من ضيع وأهمل في حال الصحة فإنه يضيع في مرضه فالجزاء من جنس العمل.
قال الله جلا وعلا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
وقال جلا وعلا: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً}، وقال عز من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}.

.فائدة:

قال أحد العلماء: إني رأيت جمهور الناس إذا طرقهم المرض اشتغلوا بالشكوى والتداوي عن الالتفات إلى المصالح من وصية أو فعل خير فكم له من ذنوب لا يتوب منها أو عنه ودائع أو عليه دين أو زكاة أو مظلمة لا يخطر بباله تداركها، والسبب والله أعلم ضعف الإيمان فينبغي للمتيقظ أن يتأهب في حال صحته قبل هجوم المرض أو الموت فربما ضاق الوقت عن عمل واستدراك فارط أو وصية وربما مات فجاءة والله أعلم.
أَبْغِي فَتَى لَمْ تَذَرُ الشَّمْسَ طَالِعَةً ** يَوْمًا مِنَ الْوَقْْتِ إِلا صَلَّى أَوْ ذَكَرَا

آخر:
للهِ قَومٌ أَخْلَصُوا فِي حُبِّهِ ** فَكَسَا وُجُوهَهُمْ الْوَسِيمَةَ نُورَا

ذَكَرُوا النَّعِيمَ فَطَلَّقُوا دُنْيَاهُمُوا ** زُهْدًا فَعَوَّضَهُمْ بِذَاكَ أُجُورَا

قَامُوا يُنَاجَوْنَ الإِلَهَ بِأَدْمُعٍ ** تَجْرِي فَتَحْكِي لُؤْلُؤًا مَنْثُورَا

سَتَروا وُجُوهَهُمُوا بِأَسْتَارِ الدُّجَى ** لَيْلاً فَأَضْحَتْ فِي النَّهَارِ بُدُورَا

عَمِلُوا بِمَا عَلِمُوا وَجَادُوا بِالَّذِي ** وَجَدُوا فَأَصْبَحَ حَظَّهُم مَوْفُورَا

وَإِذَا بَدَا لَيْلٌ سَمِعْتَ حَنِينَهُمْ ** وَشَهِدَتْ وَجْدًا مَنْهُمُوا وَزَفِيرَا

تَعِبُوا قَلِيلاً فِي رِضَا مَحْبُوبِهِمْ ** فَأَرَاحَهُمْ يَوْمَ اللِّقَاءِ كَثِيرَا

صَبَرُوا عَلَى بَلْوَاهُمُوا فَجَزَاهُمُوا ** يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَنَّةً وَحَرِيرَا

يَا أَيُّهَا الْغِرُّ الْحَزِينُ إِلَى مَتَى ** تُفْنِي زَمَانَكَ بَاطِلاً وَغُرُورَا

بَادِرْ زَمَانَكَ وَاغْتَنِمْ سَاعَاتِهِ ** وَاحْذَرْ تَوَانَاكَى تَحُوزَ أُجُورَا

وَاضْرِعْ إِلَى الْمَوْلَى الْكَرِيمِ وَنَادِهِ ** يَا وَاحِدًا فِي مُلْكِهِ وَقَدِيرَا

مَا لِي سِوَاكَ وَأَنْتَ غَايَةُ مَقْصَدِي ** وَإِذَا رَضِيتَ فَنِعْمَةٌ وَسُرُورَا

اللهم اجعلنا من المتقين الأبرار وأسكنا معهم في دار القرار، اللهم وفقنا بحسن الإقبال عليك والإصغاء إليك ووفقنا للتعاون في طاعتك والمبادرة إلى خدمتك وحسن الآداب في معاملتك والتسليم لأمرك والرضا بقضائك والصبر على بلائك والشكر لنعمائك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم واليتين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

.فصل في عوامل اللحاق بالمجتهدين المشمرين عن ساق للآخرة:

اعلم وفقنا الله وإياك وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه أن من أراد لحاق القوم المجتهدين المشمرين عن ساق للآخرة ممن تقدم ذكرهم، أن عليه أن ينبذ الكسل والعجز والتواني والتهالك في طلب الدنيا ويجد ويجتهد سالكًا طريق المجتهدين العارفين قيمة الوقت والعمر.
كَأَنَّكَ لَمْ تُسْبَقُ مِنَ الدَّهْرِ لَيْلَةً ** إِذَا أَنْتَ أَدْرَكْتَ الَّذِي أَنْتَ تَطْلُبُ

آخر:
أَسْرِعْ أَخَا الْعِلْمِ فِي ثَلاثْ ** الأَكْلُ وَالْمَشْي وَالْكِتَابَةْ

آخر:
وَسَاهِرَ اللَّيْلَ فِي الْحَاجَاتِ نَائِمُهُ ** وَوَاهِبُ الْمَالِ عِنْدَ الْمَجْدِ كَاسِبُهُ

وذكر أحد العلماء علاج الكسل وهو سهل لمن وفقه الله فقال: هو تحريك الهمة بخوف فوات القصد، وبالوقوع في اللوم، أو التأسف، فإن أسف المفرط إذا عاين أجر المجتهد أعظم من كل عقاب، وليفكر العاقل في سوء مغبة الكسل والعجز، والاشتغال بالدنيا عن الآخرة فرب راحة أوجبت حسرات وندمًا، فمن رأى زميله اجتهد وثابر على دروسه ونجح زادت حسرته وأسفه، ومن رأى جاره قد سافر ورجع بالأرباح والفوائد زادت حسرة أسفه وندامته على لذة كسله وعجزه.
قال: وقد أجمع الحكماء على أن الحكمة لا تدرك بالراحة فمن تلمح ثمرة الكسل أجتنبه ومن مد فطنته إلى ثمرات الجد والاجتهاد نسى مشاق الطريق، ثم إن اللبيب الذكي يعلم أنه لم يخلق عبثًا وإنما هو في الدنيا كالأجير أو كالتاجر، ثم إن زمان العمل بالإضافة إلى مدة البقاء في القبر كلحظة، ثم إن إضافة ذلك إلى البقاء السرمدي إما في الجنة وإما في النار ليس يشيء.
ومن أنفع العلاج النظر في سير المجتهدين الذين يعرفون قيمة العلم النافع والعمل الصالح والوقت والعجب من مؤثر البطالة في موسم الأرباح.
والمهم أنه بالجد والاجتهاد تدرك غاية المراد، وبالغزمات الصحاح يشرق صباح الفلاح، وما حصلت الأماني بالتواني ولا ظفر بالأمل من استوطن الكسل.
مَا هَذِي الْحَيَاةُ رَخِيصَةٌ ** فَصُنْهَا عَن التَّضِييعِ فِي غَيْرِ وَاجِبِ

وَأَكْثِرْ بِهَا ذِكْرَ الإِلَهِ وَحَمْدَهُ ** وَشُكْرًا لَهُ تُحْظَى بِأَسْنَى الْمَرَاتِب

آخر:
وَلَيْسَ كَمَا قَدْ شِئْتُهُ وَاشْتَهِيْتُهُ ** وَلَكِنْ كَمَا شَاءَ الإِلَهُ يَكُونُ

إِذَا لَمْ أَجِدْ شَيْئًا نَفِيسًا أُرِيدُهُ ** رَجَوْتُ إِلَهَ الْخَلْقِ أَنْ سَيَكُونُ

وقد قيل الكسل مزلقة الربح، وآفة الصنائع، وأرضة البضائع، وإذا رقدت النفس في فراش الكسل استغرقها نوم الغفلة عن صالح العمل.
الْجَدُّ بِالْجَدِّ وَالْحِرْمَانَ فِي الْكَسَلِ ** فَانْصِبٍ تُصِبْ عَنْ قَرِيبٍ غَايَة الأَمَل

ثم اعلم أن الموجب للكسل حب الراحة وإيثار البطالة وصعوبة المشاق.
وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل». متفق عليه.
وفي أفراد مسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان». وقال ابن مسعود: إني لأبغض الرجل أراه فارغًا ليس في سيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة. أخرجه أبو نعيم في الحلية، وقال: يكون في آخر الزمان أقوام أفضل أعمالهم التلاوم بينهم يسمون الأنتان. وقال ابن عباس: تزوج التواني بالكسل فولد بينهما الفقر.
وقال آخر: مضى القوم على خيل بلق عتاق وبقينا على حمر حمر دبرة فقيل له: إن كنا على الطريق المستقيم فما أسرعنا بالوصول.
تضرع إلى رب العزة جل جلاله وتقدست أسماؤه.
لا عُدْتُ أَرْكَبُ مَا قَدْ كُنْتُ أَرْكَبُهُ ** جُهْدِي فَخُذْ بِيَدِي يَا خَيْرَ مَنْ رَحِمَا

هَذَا مَقَامٌ ظَلُومِ خَائِفٍ وَجِلٍ ** لَمْ يَظْلِم النَّاسُ لَكِنْ نَفسَهُ ظَلَمَا

فَاصْفَحْ بِفَضْلِكِ عَمَّنْ جَاءَ مُعْتَذِرًا ** بِزَلَّةٍ سَبَقَتْ مِنْهُ وَقَدْ نَدَمَا

مَا لِي سِوَاكَ وَلا عِلْمٌ وَلا عَمَلٌ ** فَامْنُنْ بِعَفْوِكَ يَا مَنْ عَفْوُهُ عَظُمَا

اللهم إنك تعلم سرنا وعلانيتنا وتسمع كلامنا وترى مكاننا لا يخفى عليك شيء من أمرنا نحن البؤساء الفقراء إليك المستغيثون المستجيرون بك نسألك أن تقيض لدينك من ينصره ويزيل ما حدث من البدع والمنكرات ويقيم على الجهاد وقمع أهل الزيغ والكفر والعناد ونسألك أن تغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

.قَصِيْدَة تَحْتَوِي على نَصَائِحَ وَوَصَايَا ومَوَاعِظَ وَآدَابٍ وَأَخْلاقٍ:

فَحَضِّرْ قَلْبَكَ وَأَلْقِ سَمْعَكَ
الْحَمْدُ للهِ الْقَوِيِّ الْمَاجِدِ ** ذِي الطَّوْلِ وَالإِنْعَامِ وَالْمَحَامِدِ

حَمْدًا يَفُوقُ حَمْدَ كُلِّ الْخَلْقِ ** وَمَا أُُطِيقَ شُكْر بَعْضِ الْحَقِّ

ثُمَّ الصَّلاةُ بَعْدُ وَالسَّلامُ ** عَلَى نَبِيٍّ دِينِهِ الإِسْلامُ

سَأَلتَنِي الإِفْصَاحَ عَنْ هَذِي الْحِكَمْ ** وَنُزْهَةَ الأَلْبَابِ خُذْهَا كَالْعَلَمْ

خُذْ يَا بُنَيِّ هَذَه النَّصَائِحَا ** وَاسْتَعْمَلْنَهَا غَادِيًا وَرَائِحَا

لِتَقْنَى مَنْفَعَةً وَحِكْمَة ** وَاتَثْنِينِّي عَنْ مِنَنٍ وَنِعْمَة

فَحِفْظُهَا يَهْدِي إِلَى دَارِ الْبَقَا ** وَحُبُّهَا يَهْزِمُ أَجْنَادَ الشَّقَا

إِذَا ابْتَدَأْتَ الأَمْرَ سَمِّ اللهَ ** وَاحْمِدْهُ وَاشْكُرْهُ إِذَا تَنَاهَا

وَكُلَّمَا رَأَيْتَ مَصْنُوعَاتِهِ ** وَالْمُبْدَعَاتِ مِنْ عُلا آيَاتِهِ

فَاذْكُرْهُ سِرًّا سَرْمَدَا وَجَهْرَا ** لِتَشْهَدَنْ يَوْمَ الْجَزَاءِ أَجْرَا

هَذَا وَإِنْ تَعَارَضَ الأَمْرَانِ ** فَأَبْدَأ بِحَقِّ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ

وَاعْمَلْ بِهِ تَنَلْهُمَا جَمِيعَا ** وَلا تَقُلْ سَوْفَ تَكُنْ مُضِيعَا

وَإِنْ أَتَاكَ مُسْتَشِيرٌ فَاذْكُرَنْ ** قَوْلَ النَّبِي الْمُسْتَشَارُ مُئْتَمَنْ

شَاوِرْ لَبِيبًا فِي الأُمُورِ تَنْجَحْ ** مَنْ يَخَفِ الرَّحْمَنَ فِيهَا يَرْبَحُ

وَأَخْلِصِ النِّيَّاتِ فِي الْحَالاتِ ** فَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ

وَاسْتَخِرِ اللهَ تَعَالَى وَاجْتَهِدْ ** ثُمَّ ارْضَ بِالْمَقْضِيَّ فِيهِ وَاعْتَمِدْ

مَنْ اسْتَخَارَ رَكِبَ الصَّوَابَا ** أَوْ اسْتَشَارَ أمَنَ الْعِقَابَا

مَنْ اسْتَخَارَ لَمْ يَفُتْهُ حَزَمْ ** أَوْ اسْتَشَارَ لَمْ يَرُمْهُ خَصْمُ

مَا زَالَتِ الأَيَّامُ تَأْتِي بِالْعِبَرْ ** أَفِقْ وَسَلِّمْ لِلْقَضَاءِ وَالْقَدَرْ

كَمْ آيَةٍ مَرَّتْ بِنَا وَآيَةْ ** فِي بَعْضِهَا لِمَنْ وَعَى كِفَايَةْ

وَنَحْنُ فِي ذَا كُلِّهِ لا نَعْتَبِرْ ** وَلا نَخَافُ غَيْبَهَا فَنَزْدَجِرْ

أَلَيْسَ هَذَا كُلِّهِ تَأْدِيبًا؟ ** فَمَا لَنَا لا نَتَّقِي الذُّنُوبَا

لَكِنْ قَسَى قَلْبٌ وَجَفَّتْ أَدْمُعُ ** إِنَّا إِلَى اللهِ إِلَيْهِ الْمَرْجِعُ

فَنَسْأَلُ الرَّحْمَنَ سِتْرَ مَا بَقِي ** وَعَفْوَهُ وَاللَّطْفَ فِيمَا نَتَّقِي

فَكَمْ وَكَمْ قَدْ أَظْهَرَ الْجَمِيلا ** وَسَتَرَ الْقَبِيحَ جِيلاً جِيلاَ

حَتَّى مَتَّى لا تَرْعَوِي بِالْوَعْظِ ** وَأَنْتَ تَنْبُو كَالْغَلِيظِ الْفَظِّ

سِرْ سَيْرَ مِنْ غَايَتُهُ السَّلامَةْ ** وَعُدْ عَلَى نَفْسِكَ بِالْمَلامَةْ

بَادِرْ بِخَيْرٍ إِنْ نَوَيْتَ وَاجْتَهِدْ ** وَإِنْ نَوَيْتَ الشَّرَّ فَازْجُرْ وَاقْتَصِدْ

وَخُذْ فِي عِتَابِ نَفْسِكَ الأَمَّارَةِ ** فَإِنَّهَا غَدَّارَةٌ غَرَّارَةْ

خَالِفْ هَوَاكَ تَنْجَحْ مِنْهُ حَقًّا ** وَالنَّفْسَ وَالشَّيْطَانَ كَيْ لا تَشْقَى

نَفْسِي عَمَّا سَرَّنِي تُدَفِعُ ** وَهِيَ عَلَى مَا ضَرَّنِي تُسَارِع

قَدْ أَسَرَتْهَا شَهْوَةٌ وَغَفْلَةْ ** تُنْكِرُ شَيْئًا ثُمَّ تَأْتِي مِثْلَهْ

فَمَنْ حَبَى حِسَانَهَا فَقَدْ ظَفِرْ ** وَمَنْ حَبَاهَا غَفْلَةً فَقَدْ خَسِرْ

قَدِّمِ لِيَوْمِ الْعَرْضِ زَادَ الْمُجْتَهِدِ ** ثُمَّ الْجَوَابُ لِلسُّؤَالِ فَاسْتَعِدْ

تَطْوِي اللَّيَالِي الْعُمْرَ طَيًّا طَيَّا ** وَأَنْتَ لا تَزْدَادُ إِلا غَيًّا

فَلا تَبِتْ إِلا عَلَى وَصِيِّةْ ** فَإِنَّهَا عَاقِبَةٌ مَرْضِيَّةْ

هَيْهَاتَ لابد مِن النُّزُوحِ ** حَقًّا وَلَوْ عُمَّرِتَ عُمْرَ نُوحِ

فَنْسَأَلُ لَنَا السَّلامَةْ ** فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وَفِي الْقِيَامَةْ

أَعْدِدْ لِجَيْشِ السَّيِّئَاتِ تَوْبَةْ ** فَإِنَّهَا تَهْزِمُ كُلَّ حَوْبَةْ

وَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلنَّهُ ** وَلا تَحِدْ طَرْفَةَ عَيْنٍ عَنَّهْ

أَفْضَلُ زَادِ الْمَرْءِ تَقْوَى اللهِ ** سُبْحَانَهُ جَلَّ عَنِ التَّنَاهِي

عَلَيْكَ بِالتَّقْوَى وَكُلِّ وَاجِبٍ ** وَتَرْكُ مَا يُخْشَى وَشُكْرِ الْوَاهِبِ

وَكُنْ لأَسْبَابِ التُّقَى أَلِيفَا ** وَاعْصِ هَوَاكَ وَاحْذَرِ التَّعْنِيفَا

فَالْخَوْفُ أَوْلَى مَا امْتَطَى أَخُو الْحَذَرْ ** فَاعْتَمِدِ الصَّمْتَ وَدَعْ عَنِ الْهَذَرْ

لَوْ أَنَّ مَا اسْتَمْلاهُ كَاتِبَاكَا ** بِأُجْرَةٍ مِنْكَ خَتَمْتَ فَاكَا

صَمْتٌ يُؤَدِيكَ إِلَى السَّلامَةْ ** أَفْضَلُ مِنْ نُطْقٍ جَنَى النَّدَامَةْ

الْعِلْمُ وَالْحِلْمُ قَرِينَا خَيْرٍ ** فَالْزِمْهُمَا وُقِيتَ كُلَّ ضَيْرِ

فَالْعِلْمُ عِزٌّ لا يَكَادُ يُبْلَى ** وَالْحِلْمُ كِنْزٌ لا يَكَادُ يُفْنَى

الْعِلْمُ لا يُحْصَى فَخُذْ مَحَاسِنَهْ ** وَنَبِّهِ الْقَلْبَ الصَّدِي مِن السَّنَةْ

أَجْمَلُ شَيْءٍ لِلْفَتَى مِنْ نَسَبِهْ ** إِكْثَارُهُ مِنْ عِلْمِهِ وَأَدَبِهْ

إِنْ كُنْتَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ مَا نَكَا ** أَوْ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ زَنَكَا

لا خَيْرَ فِي عِلْمٍ بِغَيْرِ فِهْمِ ** وَلا عِبَادَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمِ

لا تَطْلُبَنَّ الْعِلْمِ إِلا لِلْعَمَلْ ** فَاعْمَلْ بِمَا عَلَّمْتَه قَبْلَ الأَجَلْ

فَإِنَّ فِيهِ غَايَةَ السَّلامَةْ ** هَذَا إِذَا كَانَ بِلا سَآمَةْ

نُصْحُ الْوَرَى مِنْ أَفْضِلِ الأَعْمَالِ ** وَالْبِرُّ وَالرِّفْقُ بِلا اعْتِلالِ

إِيّاكَ إِيَّاكَ الرِّيَاءَ يَا صَاحِ ** فَتَرْكُهُ أَقْرَبُ لِلْفَلاحِ

فَالْعُمْرُ مَا كَانَ قَرِينَ الطَّاعَةْ ** هَذَا وَلَوْ قُدَّرَ بَعْضُ سَاعَةْ

حُثَّ كُنُوزَ الدَّمْعِ فِي الْحَنَادس ** بَيْنَ يَدِي رَبِّكَ غَيْرَ آيِسِ

عَلَى سَوَادِ خَالِ خَدِّ الصُّبْحِ ** تَتْلُو الْمَثَانِي رَغْبًا فِي الرِّبْحِ

وَقُلْ بِمَا جَاءَ بِهِ خَيْرُ الْبَشَرْ ** هَبْ لِي الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرْ

وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ كُلِّ هَمٍ فَرَجَا ** فَضْلاً وَمِنْ غَمٍّ وَضِيقٍ مَخْرَجَا

الْعَدْلُ أَقْوَى عَسْكَرُ الْمُلُوكِ ** وَالأَمْنُ أَهْنَى عِيشَةَ الْمُلُوكِ

سُسُ يَا أَخِي نَفْسَكَ قَبْلَ الْجُنْدِ ** وَاقْهَرْ هَوَاكَ تَنْجَحْ قَبْلَ الْقَصْدَ

وَاجْعَلْ قِوَامِ الْعَدْلِ حِصْنَ دَلْتِكْ ** وَالشُّكْرَ أَيْضًا حَارِسًا لِنِعْمَتِكْ

فَالْحَقُّ أَنْ تَعْدِلَ بِالسَّوِيَّةْ ** مَا بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنَ الْبَرِيَّةْ

فَكُلُّكُمْ وَكُلُّنَا مَسْئُولُ ** عَمَّا رَعَيْنَاهُ وَمَا نَقُولُ

مَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلاً إِلَى السِّيَاسَةِ ** أَخَرَّهُ الْعَجْزُ عَنِ الرِّيَاسَةْ

أَحْسِنْ إِلَى الْعِلْمِ يَحْمَدُوكَا ** وَعُمَّهُمْ بِالْعَدْلِ يَنْصَحُوكَا

فَعَدْلُ سُلْطَانِ الْوَرَى يَقِيهِ ** أَعْظَمَ مَا يَخْشَى وَيَتَّقِيهِ

لا تَسْتَعِنْ بِأَصْغَرِ الْعُمَّالِ ** عَلَى تَرَقِّي أَكْبَرَ الأَعْمَالِ

فَمَنْ عَدَا وَزِيرُهُ فَمَا عَدَلْ ** وَمَنْ طَغَى مُشِيرُهُ فَقَدْ جَهِلْ

شَرُّ الأَنَامِ نَاصِرُ الظُّلُومِ ** وَشَرٌّ مِنْهُ خَاذِلُ الْمَظْلُومِ

الظُّلْمُ حَقًّا سَالِبٌ لِلنَّعَمِ ** وَالْبَغْيُ أَيْضًا جَالِبٌ لِلنِّقَمِ

ظُلْمُ الضَّعِيفِ يَا بَنِي لؤمْ ** وَصُحْبَةُ الْجَاهِلِ أَيْضًا شُؤْمُ

وَقِيلَ إِنَّ صُحْبَةَ الأَشْرَارِ ** تُورِثُ سُوءَ الظَّنِّ بِالأَخْيَارِ

يَجْنِي الرَّدَى مَنْ يَغْرِسَ الْعُدْوَانَا ** وَصَارَ كُلُّ رِبْحِهِ خُسْرَانَا

أَقْرَبُ شَيْءٍ صَرْعَةُ الظَّلُومِ ** وَأَنْقَذُ النَّبْلِ دُعَا الْمَظْلُومِ

نِعْمَ شَفِيعُ الْمُذْنِبِ اعْتِذَارُهُ ** وَبِئْسَ مَا عَوَّضَهُ إِصْرَارُهُ

خُذْ الأُمُورَ كُلِّهَا بِالْجَدِّ ** فَالأَمْرُ جَدٌّ لا هَوَاكَ الْمُرْدِي

خَيْرُ دَلِيلِ الْمَرْءِ الأَمَانَةْ ** بَيْنَ الْوَرَى وَتَرْكُهُ الْخِيَانَةْ

مَنْ امْتَطَى أَمْرًا بِلا تَدْبِير ** صَيَّرَهُ الْجَهْلُ إِلَى تَذْمِيرِ

مَنْ صَانَ أُخْرَاهُ بِدُنْيَاهُ سَلِمْ ** وَمَنْ وَقَى دُنْيَاهُ بِالدِّينِ نَدِمْ

مَنْ أَخَّرَ الطَّعَامَ وَالْمَنَامَا ** لَذَّ وَطَابَ سَالِمَا مَا دَامَا

مَنْ أَكْثَرَ الْمِزَاحَ قَلَّتْ هِيبَتُهْ ** وَمَنْ جَنَى الْوَقَارَ عَزَّتْ قِيمَتُهْ

مَنْ سَالَمَ النَّاسَ جَنَى السَّلامَةْ ** وَمَنْ تَعَدَّى أَحْرَزَ النَّدَامَةْ

مَنْ نَامَ عَنْ نُصْرَةِ أَوْلِيَائِهْ ** نَبَّهَهُ الْعُدْوَانُ مِنْ أَعْدَائِهْ

مَنْ اهْتَدَى بِالْحَقِّ حَيْثُمَا ذَهَبْ ** مَالَ إِلَيْهِ الْخَلْقُ طُرًّا وَغَلَبْ

مَنْ رَفَضَ الدُّنْيَا أَتَتْهُ الآخِرَةْ ** فِي حُلَّةٍ مِنَ الأَمَانِ فَاخِرَةْ

وَقِيلَ مَنْ قَلَّتْ لَهُ فَضَائِلُهْ ** فَقَدْ ضَعُفَتْ بَيْنَ الْوَرَى وَسَائِلُهْ

وَمَنْ تَرَاهُ أَحْكَمَ التَّجَارُبَا ** فَازَ بِهَا وَحَمِدَ الْعَوَاقِبَا

مَنْ عَاشَرَ النَّاسَ بِنَوْعِ الْمَكْرِ ** كَافَاهُ كُلُّ مِنْهُمْ بِالْغَدْرِ

مَنْ لا تَطِيقُ حَرْبَهُ فَسَالِمِ ** تَعِشْ قَرِيرَ الْعَيْنِ غَيْرَ نَادِمِ

مَنْ لَمْ يُبَالِ كَانَتْ الدُّنْيَا لِمَنْ ** فَهُوَ عَظِيمُ الْقَدْرِ سِرًّا وَعَلَنْ

مَنْ بَانَ عَنْهُ فَرْعُهُ وَأَصْلُهُ ** أَوْشَكَ أَنْ يَنْعَاهُ حَقًّا أَهْلُهُ

مَنْ غَلَبَ الشَّهْوَةَ فَهُوَ عَاقِلٌ ** وَمَنْ دَعَتْهُ فَأَجَابَ جَاهِلُ

مَنْ ظَلَّ يَوْمًا كَاتِمًا لِسِرَّهِ ** أَصْبَحَ مِنْهُ حَامِدًا لأَمْرِهِ

خَيْرُ زَمَانِكَ الَّذِي سَلِمْتَا ** مِنْ شَرِّهِ لُطْفًا وَمَا اقْتَرَفْتَا

خَيْرُ النَّدَى وَأَفْضَلُ الْمَعْرُوفِ ** فِيمَا يُرَى إِغَاثُهُ الْمَلْهُوفِ

لا تَثْبُتُ النَّعْمَاءُ بِالْجُحُودِ ** وَالشُّكْرِ حَقًّا ثَمَنُ الْمَزِيدِ

مَنْ غَلَبَتْهُ شَهْوَةً الطَّعَامِ ** سُلَّ عَلَيْهِ صَارِمُ الأَسْقَامِ

تَعْصِي الإِلَهَ وَتُطِيعُ الشَّهْوَةَ ** هَذَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ بِالْقَسْوَةْ

مِنْ هَمُّهُ أَمْعَاؤُهُ وَفَرْجُهْ ** وَتَاهَ فِي شَهْوَتِهِ لا تَرْجُهْ

أَجْمَلُ شَيْءٍ بِالْغِنَى الْقَنَاعَةْ ** فَعُدَّهَا مِنْ أَشْرَفِ الْبِضَاعَةْ

وَهِيَ تَسُوقُ قَاصِدِيهَا لِلْوَرَعْ ** فَاعْمَلْ بِمَا عَلِمْتَهُ وَلا تَدَعْ

وَالْيَأْسُ مِمَّا فِي يَدِي الأَنَامِ ** مَنْزِلَةُ الأَخْيَارِ وَالْكِرَامِ

وَاعْلَمْ بِأَنَّ عَمَلَ الأَبْطَالِ ** كَسْبُ الْحَلالِ لِذَوِي الْعِيَالِ

فَإِنَّكَ الْمَسُولُ عَنْهُمْ فَاجْتَهِدْ ** وَلَيْسَ يُغْنِي عَنْكَ مِنْهُمْ أَحَدْ

مَنْ عَادَةِ الْكِرَامِ بَذْلُ الْجُودِ ** وَسُنَّةُ اللِّئَامِ فِي الْجُحُودِ

لا تَدْنُ مِمَّنْ يَدْنُ بِالْخَلابَةْ ** وَلا تَبِنْ كِبْرًا وَسُدَّ بَابَهْ

لا رَأْيَ لِلْمُعْجَبِ تِيهًا فَاعْلَمِ ** وَلا لِذِي كِبْرٍ صَدِيقٌ فَافْهَمِ

الْمَطْلُ بُخْلٌ أَقْبَحُ الْمُطْلَيْنِ ** وَالْيَأْسُ مِنْهُ أَحَدُ النُّجْحَيْنِ

وَالْبُخْلُ دَاءٍ وَدَاؤُهُ السَّخَا ** فَافْهَمْ فَفِيهِ الْعِزُّ حَقًّا وَالْعُلا

وَالْحِرْصُ دَاعِي الْخَلْقَ لِلْحُرْمَانِ ** ثُمَّ يَؤُولُ بِجَنَى الْخُسْرَانِ

مَا رُثِّ الأَنْبَاءُ خَيْرًا مِنْ أَدَبْ ** فَإِنَّهُ يَهْدِي إِلَى أَسْنَى الرُّتَبْ

لاسِيَّمَا إِنْ كَانَ بَانَ فِي الصِّغر ** كَمَا رَوَيْنَاهُ كَنَقْشٍ فِي الْحَجَرِ

مَنْ امْتَطَى جَوَادَ رَيْعَانِ الْعَجَلْ ** أَدْرَكَهُ كَمِينُ آفَاتِ الزَّلَلْ

مَنْ كَانَ ذَا عَجْزٍ عَنْ الإِحْسَانِ ** أَثْقَلُ مَا كَانَ عَلَى الإِنْسَانِ

مَنْ رَكِبَ الْجَهْلَ كَتَبْ مَطِيَّتُهْ ** وَضَلَّ أَيْضًا ثُمَّ دَامَتْ حَسْرَتُهْ

وَصَارَ أَيْضًا عِبْرَةً لِلْعَاقِلِ ** لأَنَّهُ مِنْ أَقْبَحِ الرَّذَائِلِ

إِنْ كُنْتَ مِمَّنْ يَرْتَجِي الْجِنَانَا ** لا تُطْلَقَنَّ الطَّرْفَ وَاللَّسَانَا

أَوْ رُمْتَ تَجْنِي زَهْرَ خَيْرَيْ أَمْرَكَا ** لا تَأْتِ مَا تَكْرَهُهُ مِنْ غَيْرِكَا

أَوْ كُنْتَ مِمَّنْ يَرْتَجِي السَّلامَةْ ** فِي هَذِهِ الدُّنْيَا وَفِي الْقِيَامَةْ

فَلا تَقُلْ هُجْرًا وَإِنْ غَضِبْتَا ** وَالْكِبْرَ وَالشُّحَّ فَبُثَّ بَتَّا

إِنْ فَوَّقَتْ مَصَائِبُ نِبَالِهَا ** فَاشْكُرْ مُثَابًا مَنْ كَفَى أَمْثَالَهَا

وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَصُونَ عِرْضَا ** فَلا تَقُلْ سُوءًا يَعُودُ قَرْضَا

إِنْ كُنْتَ تَخْتَارُ الْجِنَانَ دَارًا ** لا تَنْظَرُنَّ لِلْوَرَى اسْتِصْغَارَا

وَكُنْ أَخَا لِلْكَهْلِ مِنْهُمْ وَأَبَا ** لِذَوِيهِ فِي السِّنِّ شَاءَ أَوْ أَبَى

وَابْنًا لِشَيْخٍ قَدْ تَغَشَّاه الْكِبَرَا ** وَفَاقَ بِالنُّفُوسِ عَنْ قَوْسِ الْعِدَا

آوِي الْيَتِمَ وَارْحَمِ الضَّعِيفَا ** وَارْفُقْ بِمَمْلُوكِنَ أَنْ تَحِيفَا

وَالنِّاءِ هُنَّ كَالْغَوَانِي ** فَاجْنَحْ إِلَى الْخَيْرَاتِ غَيْرَ وَانِي

وَاعْمَلْ بِمَا فِي سُورَةِ الإِسْرَاءِ ** مِنَ الْوَصَايَا الْغُرِّ بِحَمْدِ رَاءِ

وَصِلْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ السَّائِلَةْ ** عَنْ قَطْعِهَا يَوْمَ الْقُلُوبِ ذَاهِلَةْ

وَالْجَارَ أَكْرِمْهُ فَقَدْ وَصَّانَا ** بِهِ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى مَوْلانَا

وَاحْذَرْ بُنَيَّ غَيْبَةَ الأَنَامِ ** لَفْضًا وَتَعْرِيضًا مَدَى الأَيَّامِ

وَالْهَمْزَ وَاللَّمْزَ مَعَ النَّمِيمَةْ ** فَإِنَّهَا ذَخَائِرُ ذَمِيمَةْ

شَرُّ الأُمُورِ الْعُجْبُ فَاجْتَنِبْهُ ** وَالْبُخْلَ مَا حَيِيتُ صَدَّ عَنْهُ

فَالْكِبْرُ دَاءٌ قَاتِلُ الرِّجَالِ ** دَوَاؤُهُ تَوَاضُعِ الأَبْطَالِ

لا دَاءَ أَدْوَى مَرَضًا مِنَ الْحُمُقْ ** وَلا دَوَاءَ مِثْلَ تَحْسِينِ الْخَلُقْ

وَالْحِقْدُ دَاءٌ لِلْقُلُوبِ وَالْحَسَدْ ** رَأْسُ الْعُيُوبِ فَاجْتَنِبْهُ وَاقْتَصِدْ

وَالْبَغْيُ صَاحٍ يَصْرَعُ الرِّجَالا ** وَيُقْصِرُ الأَعْمَارَ وَالآجَالا

وَالْمَنُّ أَيْضًا يَهْدِمُ الصَّنِيعَةْ ** مَطِيُّةُ الطُّغَامِ وَالرَّعَاعِ

رَبَّ غَرَامِ جَلَبْتهُ لَحْظَةْ ** وَرُبَّ حَرْبٍ أَجَّجَتّهُ لَفْظَهْ

وَرُبَّ مَأْمُولٍ تَرَى مُنْهُ الضَّرَرْ ** وَرُبَّ مَحْذُورٍ يَسُرُّ مِنْ حَذَرْ

وَقِيلَ أَيْضًا إِنَّ خُلْفَ الْوَعْدِ ** فِي أَكْثَرِ الأَمْثَالِ خُلْبقُ الْوَغْدِ

لا حَذَرَ مِنْ قَدَرٍ بِدَافِعِ ** وَلا أَسَىً مِنْ فَائِتٍ بِنَافِعِ

وَقِيلَ مَا أَضْمَرْتَ بِالْجِنَانِ ** يَظْهَرُ فِي الْوَجْهِ وَفِي اللِّسَانِ

لا تُطِلِ الشَّكْوَى فَفِيهِ التَّلَفُ ** وَالشُّكْرُ للهِ الْغَنِيِّ شَرَفُ

لا يُفْسِدُ دِينَ الْوَرَى إِلا الطَّمَعْ ** حَقًّا وَلا يُصْلِحُهُ إِلا الْوَرَعْ

لا تَحْمِلَنْكَ كَثْرَةُ الإِنْعَامِ ** عَلَى ارْتِكَابِ سَيِّءِ الآثَامِ

وَلا تَقُلْ سُوءًا تَزِلُ الْقَدَمَا ** وَتُورِثُ الطَّعْنَ وَتُبْدِي النَّدَمَا

لا تَقَرَّبَنَ مِنْ وَدَائِعِ الْبَرِيَّهْ ** وَلا الْوَكَالاتِ وَلا الْوَصِيَّهْ

فَإِنَّهُنَّ سَبَبُ الْبَلايَا ** وَمَعْدِنُ الآفَاتِ وَالرَّزَايَا

لا تَشْتَغِلْ إِذَا حُبِيتَ النِّعَمَا ** بِسُكْرِهَا عَنْ شُكْرِهَا فَتَنْدَمَا

لا تَتَّبِعْ مَسَاوِئَ الإِخْوَانِ ** رَعْيَ الذُّبَابِ فَاسِدَ الأَبْدَانِ

لا خَيْرَ فِيمَنْ يَحْقِرُ الضَّعِيفَا ** كِبْرًا وَلا مَنْ يَحْسُدُ الشَّرِيفَا

لا تَسْتَقِلَّ الْخَيْرَ فَالْحِرْمَانُ ** أَقَلُّ مِنْهُ أَيُّهَا الإِنْسَانُ

لا تَجْزِعَنْ فَقَدْ حَىَ الْمَقْدُورُ ** بِكُلِّ مَا جَاءَتْ بِهِ الدُّهُورُ

لا تَتَخَطَّى فُرَصَ الزَّمَانِ ** إِنَّ التَّوَانِي سَبَبُ الْحِرْمَانِ

أَنْفَاسُكُمْ خُطَاكُمُ إِلَى الأَجَلْ ** وَخَادِعُ الأَعْمَالِ تَقْدِيمُ الأَمَلْ

أَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ أَعْلَى الرُّتَبِ ** وَنَهْيُكَ الْمُنْكَرَ مِنْ أَقْوَى السَّبَبِ

الْوَلَدُ الْبَرُّ يَزِيدُ فِي الشَّرَفِ ** وَالْوَلَدُ السُّوءُ يَشِينُ بِالسَّلَفِ

الرِّفْقُ يُدْنِى الْمَرْءَ لِلصَّلاحِ ** وَهُوَ لِقَاحُ سُرْعَةِ النَّجَاحِ

إِسَاءَةُ الْمُحْسِنِ مَنْعُ الْبِرِّ ** وَتُحْفَغُة الْمُسِيءُ كَفُّل الشَّرِّ

تَنَاسَى مِنْ إِخْوَانِكَ الْمَسَاوِيَا ** يَدُمْ لَكَ الْوِدَادُ مِنْهُمْ صَافِيَا

وَأَوْلِهِمْ مِنْ فِعْلِكَ الْجَمِيلا ** وَدَعْ مُثَابًا قِيلَهُمْ وَالْقِيلا

وَكُلُّ مَنْ أَبْدَى إِلَيْكَ الْفَاقَهْ ** صُنْ عَنْ مُحَيَّاهُ الَّذِي أَرَاقَهْ

بَسْذُ الْوُجُوهِ أَحَدُ الْبَذْلَيْنِ ** وَأَعْظَمُ الْهَمَّيْنِ هَمُّ الدَّيْنِ

وَإِنْ خَفَضتَ الصَّوْتَ مَا اسْتَطَعْتَا ** ثُمَّ غُضَتْتَ الطَّرْفَ أَنْتَ أَنْتَا

للهِ فِي كُلِّ بَلاءٍ نِعْمَهْ ** لا يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَذُمَّهْ

تَمْحِيصُ ذَنْبٍ وَثَوَابٌ إِنْ صَبَرْ ** وَيَقَظَةٌ مِنْ غَفْلَةٍ لِمَنْ نَظَرْ

وَتَوْبَةٌ يُحْدِثُهَا وَصَدَقَةْ ** وَوَعْظُهُ هَدِيَّةٌ مُوَفَّقَةْ

وَفِي قَضَاءِ اللهِ ثُمَّ فِي الْقَدَرِ ** مِنْ بَعْدِ هَذَا عِبْرَةٌ لِلْمُعْتَبِرِ

أَعْمَارُكُمْ صَحَائِفُ الآجَالِ ** فَجَلِّدُوهَا أَنْفَسَ الأَعْمَالِ

عَلَيْكَ بِالصِّدْقِ وَلَوْ أَضَرَّكَا ** وَلا تُعيِّرْ هَالِكًا فَتَهْلِكَا

صَبْرُ الْفَتَى عَلَى أَلِيمِ كَسْبِهِ ** أَسْهَلُ مِنْ حَاجَتِهِ لِصَحْبِهِ

فَالصَّبْرُ سَيْفٌ لا يَكَادُ يَنْبُو ** وَالْقَنْعُ نَجْمٌ لا تَرَاهُ يَخْبُو

جَرْحُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ أَهْلِ الْهِمَمِ ** أَهْوَنُ مِنْ جُرْحِ اللِّسَانِ فَافْهَمْ

خَيْرُ قَرِينِ الْمَرْءِ حُسْنُ الْخُلُقِ ** يُدْنِي الْفَتَى مِنْ كُلِّ أَمْرٍ صَائِبِ

الْحُرُّ عَبْدٌ مَا تَرَاهُ طَامِعَا ** وَالْعَبْدُ حُرُّ مَا تَرَاهُ قَانِعَا

أَغْنَى الْغِنَى لِلْمَرْءِ حُسْنُ الْعَقْلِ ** وَالْفَقْرُ كُلُّ ذُلُّ وَالْجَهْلِ

إِيَّاكَ أَنْ تَخْدَعَكَ الأَمَانِي ** فَإِنَّهَا قَاتِلَةُ الإِنْسَانِ

وَاحْذَرْ لُزُومَ سَوْفَ مَا اسْتَطَعْتَا ** فَإِنَّهُ سَيْفٌ عَسَى وَحَتَّى

سَارِعْ إِلَى الْخَيْرِ تُلاقِ رَشَدَا ** وَكُنْ مِن الشَّرِّ أَشَدَّ بُعْدَا

وَإِنْ صَحِبْتَ الْمَلِكَ الْمُعَظَّمَا ** فَاحْذَرْ رُجُوعَ الشَّهْدِ مِنْهُ عَلْقَمَا

وَانْصَحْهُ وَالْوَرَى مَعًا بِالرِّفْقِ ** وَالْبَسْ لَهُمْ دُرْعَى تُقىً وَصِدْقِ

آخِ الَّذِي يَسُدُّ مِنْكَ الْخَلَّةْ ** وَيَسْتُرُ الزَّلَّةِ بَعْدَ الزَّلَةْ

وَمَنْ أَقَالَ عَثْرَةً وَمَنْ رَفَقْ ** وَكَظَمَ الْغَيْظَ إِذَا اشْتَدَّ الْخُنُقْ

فَهُوَ الَّذِي قَدْ تَمَّ عَقْلاً وَكَمُلْ ** وَمَنْ إِذَا قَالَ مَقَالاً قَدْ فَعَلْ

فَاشْدُدْ يَدَيْكَ يَا بُنَيَّ ** تُحْظَ بِعِزٍّ دَائِمٍ سَنِي

إِيَّاكَ أَنْ تُهْمِلَ طَرَفَ الطَّرْفِ ** فَإِنَّهُ يَسْمُو لِكُلِّ حَتْفِ

إِذَا تُسِيء إِلَى أَخِيكَ فَاعْتَذِرْ ** وَإِنْ أَسَاءَ يَا بُنَيَّ فَاغْتَفِرْ

فَالْعُذْرُ يَقْضِي بِكَمَالِ الْعَقْلِ ** وَالْعَفْوُ بُرْهَانٌ لِكُلِّ فَضْلِ

وَجَانِب الْخَلْقَ بِغَيْرِ مَقْتِ ** وَالْبَسْ لَهُمْ يَا صَاحِ دِرْعَ الصَّمْتِ

إِذَا التَّوْبَ مَكَارِهٌ فَنَمْ لَهَا ** وَقُلْ عَسَاهَا تَنْجَلِي وَعَلَّهَا

عَسَى الَّذِي أَصْبَحْتُ فِيهِ مِنْ حَرَجْ ** يُعْقِبُهُ اللهُ تَعَالى بِالْفَرَجْ

هَذَا الَّذِي جَادَتْ بِهِ الْقَرِيحَةُ ** فَاحْذُ عَلَيْهِ وَاقْبَلَ النَّصِيحَةْ

وَإِنْ رَأَتْ عَيْنَاكَ عَيْبًا صُنْهُ ** فَتَفَضُلاً مِنْكَ وَصُدَّ عَنْهُ

فَتَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى عَفْوًا ** يُتْبِعُهُ فِي كُلِّ عُسْرٍ يُسْرَا

وَصَلِّ يَا رَبِّ عَلَى خَيْرِ الْوَرَى ** مَا صَدَّحَتْ قَمْرِيَّةٌ عَلَى الذُّرَا

وَالآلُ وَالأَزْوَاجِ وَالأَصْحَابِ ** وَالتَّابِعِينَ مِنْ أُولِي الأَلْبَاب

انتهى.
عَلَيْكَ مِن الأُمُورِ بِمَا يُؤَدَى ** إِلَى سُنَنِ السَّلامَةِ وَالْخَلاصِ

وَمَا تَرْجُو النَّجَاةَ بِهِ وَشِيكًا ** وَفَوْزًا يَوْمَ يُؤخَذُ بِالنَّوَاصِي

فَلَيْسَ تَنَالُ عَفْوَ اللهِ إِلا ** بِتَطْهِيرِ النُّفُوسِ مِنَ الْمَعَاصِي

وَبِرِّ الْمُؤْمِنِينَ بِكُلِّ رِفْقٍ ** وَنُصْحٍ لِلأَدَانِي وَالأَقَاصِي

وَإِنْ تَشْدُدْ يَدًا بِالْخَيْرِ تُفْلَحْ ** وَإِنْ تَعْدِلْ فَمَا لَكَ مِنْ مَنَاص

اللهم ثبت وقوي إيماننا بك وبملائكتك وبكتبك وبرسلك وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، اللهم عاملنا بعفوك وغفرانك وامنن علينا بفضلك وإحسانك ونجنا من النار وعافنا من دار الخزي والبوار وأدخلنا بفضلك وكرمك وجودك الجنة دار القرار واجعلنا مع عبادك الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في دار رضوانك وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فصل:
أخرج أبو الشيخ بن حبان في كتاب الوصيا والحاكم في مستدركه والبيهقي في الدلائل وأبو نعيم كلاهما عم عطاء الخرساني.
قال: حدثتني ابنة ثابت بن قيس بن شماس إن ثابتًا قتل يوم اليمامة وعليه درع له نفيسة فمر رجل من المسلمين فأخذها، فبينما رجل من المسلمين نائم إذ أتاه ثابت في منامه فقال: أوصيك بوصية فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه.
إني لما قتلت أمس مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي ومنزله في أقصى الناس وعند خبائه فرسن يستن في طوله، وقد كفأ على الدرع برمة وفوق البرمة رحل فأت خالد بن الوليد فمره أن يبعث إلى درعي فيأخذها وإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله رجب يعني أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقل له: إن علي من الدين كذا وفلان من رقيقي عتيق وفلان، فأتى الرجل خالدًا فأخبره فبعث إلى الدرع فأتي بها وحدث أبا بكر برؤياه فأجاز وصيته، قال: ولا نعلم أحدًا أجيزت وصيته بعد موته غير ثابت بن قيس. انتهى.
تَبَارَكَ ذُو الْعُلا وَالْكِبْرِيَاءِ ** تَفَرَّدَ بِالْجَلالِ وَبِالْبَقَاءِ

وَسَوَّى الْمَوْتَ بَيْنَ الْخَلْقِ طُرًّا ** وَكُلُّهُمْ رَهَائِنُ لِلْفَناَءِ

وَدُنْيَانَا- وَإِنْ مِلْنَا إِلَيْهَا ** وَطَالَ بِهَا الْمَتَاعُ- إِلَى انْقِضَاءِ

أَلا إِنَّ الرُّكُونَ عَلَى غُرُورٍ ** إِلَى دَارِ الْفَنَاءِ مِنَ الْفَنَاءِ

وَقَاطِنُهَا سَرِيعُ الظَّعْنِ عَنْهَا ** وَإِنْ كَانَ الْحَرِيصَ عَلَى الثَّوَاء

اللهم ألهمنا ذكرك ووفقنا للقيام لامتثال أمرك واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم يا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.